عبير سياج
كثُرٌ لا زالوا يذكرون هبة الثلاث مليارات دولار المُقدّمة من المملكة العربية السعودية للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، هبة كانت ستُعزّز قدرات الجيش اللبناني وتساعده في تنفيذ مهامه حيث أن هذه الهبة كانت الأكبر التي سيستلمها الجيش اللبناني منذ تاريخه، ولم يكُن ذلك كلامٌ في الهواء حيث أنّ لبنان تسلّم في الشهر الرابع من عام 2015 الدفعة الأولى للهبة، إلّا أن هذه الأخيرة تجمّدت أو بمعنى آخر "أُلغيت" بعد الموقف "الرّجولي" الذي وقفه وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل مع "حزب الله" المقاوم على حدود القصر الجمهوري "السوري"، حيث امتنع "الكبير" عن التصويت على بيان لجامعة الدول العربية لأنه جاء على وصف حزب الله بالارهابي، خارجا بذلك عن الاجماع العربي، مخرجا لبنان من منطق الدولة التي كان من الممكن لها أن ترى النور من خلال مساعدات السعودية، منتصرة بذلك على منطق الدولتين أو بتعبير آخر "اللادولة".
السعودية ورغم توقيفها للهبة كان من الممكن أن تعيد النظر في
إعادة منح لبنان ما تبقّى منها لكن ذلك لم يعد اليوم ممكنا بعد تسليمها كمية كبيرة
من المُدرّعات تعدى عددها المئة للجيش السعودي، بعد أن التمست عدم جديّة لبنان
وحرصه على العلاقات العربية، إضافة للهجومات على السعودية من كلّ حدب وصوب،
وانقطاع العلاقات ما بين رأس الجهورية والبلاط الملكي، في وقت يعيش به الشارع
اللبناني حالة من الترقّب قبيل لقاء ما بين العهد والرئيس السوري، في خطوة ستبرر
قبول الرئاسة اللبنانية بتدخل حزب الله في الشؤون الخارجية وستزيد من تأزّم
العلاقات مع البلاط الملكي.
هذه
العلاقات التي ساهمت في إخراج لبنان من أزماته حيث أن المملكة كانت يد
العون الممتدة للبنان عند كلّ أزمة يوقعه "المُتَلبنون"، يدٌ
سيفتقدها الأخير إذا ما عادَ كلّ إلى رُشده وابتعد عن وضع هذا البلد الصغير وسط
المزيد من التردّي في العلاقات.
اليوم
يجب على الدولة من رأسها وصولا إلى كلّ عضو فيها إعادة النظر في العلاقات مع
المملكة، تجنّبا لخسارة 300 ألف لبناني مستقبلهم وبالتالي خسارة لبنان إيرادات
هؤلاء، ما سيُسبّب حتما بالمزيد من الأزمات الاقتصادية التي لن يصمد أمامها لبنان.
ولا
يمكن أيضا تناسي الودائع الخليجية الموجودة في مصارف لبنان ، والتي تساهم في صمود
الاقتصاد اللبناني، هذه الودائع التي باتت أيضا ضمن دائرة الخطر منذ الأزمة أعلاه.
اليوم
حلّ واحد لجميع تلك الأزمات التي ممكن أن يقع بها لبنان، ومن الممكن أيضا أن يكون
سبيلا لحل أزمة إيقاف الهبة، هو موقف واحد واضح للدولة اللبنانية باستطاعته تغيير
الكثير، كفّ أيّ تدخّل خارجي داعم للا شرعية وحده القادر على بلورة العلاقات مع
الدول العربية، لبنان اليوم لا يحتاج لمُتطفّلين إنما يناشد الحريصين على سيادة
لبنان.